تعليق جريدة "الأحداث" على مسرحية فندق الأحلام الوردية عند صدورها عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية بقلم الصحفية:  صبرينة كركوبة

 

من خلال كتاب “فندق الأحلام الوردية” لعبد الله خمار

صوت الحق أعلى من أبواق الفتن ومكائد رؤوس الفساد

 

صدر مؤخرا للكاتب المسرحي عبد الله خمار عن دار موفم للنشر كتابه الموسوم “فندق الأحلام الوردية. يعالج هذا المولود قصة اجتماعية، تتعلق أساسا بالفساد الإداري الذي ينخر جسد فندق مالكه الحقيقي في غيبوبة أبعدته عن إدارته.

كما أنه يشمل على قصص عاطفية تعطي أحداث القصة متعة تشد القارئ إليها، حيث يسلط الضوء على فندق يسيطر عليه أناس لا يمتون للنزاهة والمسؤولية بصلة، ينتهزون فرصة غياب المالك الحقيقي، محاولين بشتى الطرق تسريب مخططاتهم عبر شخصية عرفان الذي نصبوه مديرا لهذا الفندق، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. يفاجئهم المدير الجديد بشخصيته القوية وقراراته السيادية النابعة من خلفية متينة أساسها الأخلاق والقيم، مكسرا بذلك كل الطابوهات التي كانت سائدة حينها، متحديا بذلك حتى أكثر الخبثاء لؤما من الذين يحيطون به ويتظاهرون بالنبل والكرم.

وقد جاء الإصدار في 300 صفحة من الحجم المتوسط، مقسم إلى أربع فصول، حيث يتألف الفصل الأول من أربعة عشر مشهدا، بينما يتضمن الفصل الثاني اثني عشر مشهدا، في حين يتألف الفصل الثالث من أحد عشر مشهدا، والفصل الرابع والأخير من أربعة عشر مشهدا تتوزع أحداث هذا العمل المسرحي بين بهو الفندق وقاعة الاستقبال ومكتب المدير حيث تتعدد شخصياته التي تجاوزت الـــ18 بين شخوص الفندق من مسيرين وموظفين وشخوص آخرين على غرار الأستاذ عرفان، مخلوف مدير الموظفين، سمير محاسب الفندق، نديم الذي يتولى شؤون الفندق، بالإضافة إلى جوهرة التي تريد العمل في الفندقة، صالح الطالب الجامعي وكذا ياسمين ابنة مالك الفندق...الخ،

تتفاعل هذه الشخصيات فيما بينها لتنقل لنا المستوى الذي وصل اليه جماعة من الناس في عقولهم وأفكارهم وحتى أفعالهم في زمن يشهد فيه الفساد انتشارا رهيبا.
يصور لنا شخصية المدير عرفان رابح السعيد وهو أستاذ لغة عربية متقاعد، ينصبه كل من مخلوف مدير الموظفين وسمير محاسب الفندق مديرا لذات الفندق، فقط لأن اسمه يشبه اسم صديق مالكه، منتهزين بذلك ظروفه الصعبة التي يعاني منها من أجل إحكام سيطرتهم، لكن عرفان يتصف بالنزاهة وروح المسؤولية يفاجأ عند تقلده المنصب بعديد التجاوزات كتقديم أكلات منتهية الصلاحية، استغلال أعراض النساء لجلب الزبائن، مجون، قمار، خمر...الخ ناهيك عن الفساد الإداري وكذا عملية تبييض الأموال... وعليه يسارع لإقرار جملة إصلاحات ساعدته فيها السيدة جوهرة التي يعرفها سابقا ونصبها مستشارته وهذا لتحسين سمعة الفندق والحد من الفوضى التي جعلت رؤوس الفتنة تصول وتجول دون أي رادع يوقفهم، حيث قام بإيقاف التعامل مع نديم صاحب مؤسسة النسور الذهبية، وتعيين حامل الحقائب صالح سكرتيرا للمدير بعد تأكده من أمانته، وكذا تحويل الملهى الليلي الى مسرح والكازينو الى نادٍ للشطرنج، بالإضافة إلى قرار يفرض على كل الزبائن تقديم عقد الزواج أو دفتر العائلة إذا ما رافقتهم نساء في مبادرة جريئة تدل على أنه يطمح في التغيير وإخراج الفندق من بؤرة الفساد الذي جاء باسم العولمة.

هذه القرارات كانت القطرة التي أفاضت الكأس وصفعت أبواق الفتنة- مخلوف وسمير ونديم - الذين يخططون له ألف مكيدة ومكيدة فيما بعد للتخلص منه، وهم الذين كانت لهم حسابات أخرى غير التي توقعوها، حيث حرضوا العمال على الإضراب لكن عرفان بدهائه وتجربته في الحياة يتجاوز المشكلة.

يتعرض الفندق بعدها إلى الإفلاس بعد أن هجره الزبائن احتجاجا على القرارات التي أقرها وهو الأمر الذي جعله يحس بالفشل والضعف ويفقد ثقته بالنفس، لكن سرعان ما تنفرج الامور بعدما تأتي رسالة من وكالة أسفار العالم بين يديك تثني على الفندق، ويأتي أحد تلاميذ عرفان المدعو منصور بولحبال ليحجز خمسين غرفة بصفته متعهد مؤتمرات وهي بداية خروج الفندق من الأزمة التي كانت ستقضي عليه نهائيا.

ويبدو أن المكائد لا تزال سائدة في ظل وجود أشخاص يتصفون بالشرور ولا يريدون الخير، يعملون على تحطيم من يعمل بجد ويصلح ويبني ليخلولهم الجو لحرية مطلقة تدفعهم لعمل ما يريدونه حتى على حساب الأخلاق والدين، حيث تتهمه الراقصة زيزي بمحاولة الاعتداء عليها، ولكن ياسمين - ابنة مالك الفندق - تثبت أنها كاذبة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل حاولوا اتهامه بمحاولة المتاجرة بالمخدرات لكن هذه المرة سمير -احد رؤوس الفتنة - ينقذه بعد أن يكتشف نبله وقيمته.

وبعد صراعات داخلية وطريق متعب وشاق واجه فيها أعداء يترصدونه من كل الجهات وهو يجهل من أي جهة يأتي الغدر، يتمكن في الأخير بفضل مبادئه وقيمه وحتى خبرته من التغلب على المؤامرات والتهديدات التي كان معرضا لها.

مجريات القصة لم تقتصر على عرفان فقط، وإنما تحمل في ثناياها عديد الدلالات، حيث يتضح من خلال الأحداث التي تصل بنا إلى أن طريق الخير مهما تعترضه من عراقيل وعقبات ، ومهما بلغت صعوبتها، إلا أن كلمة الحق ستكون هي الكلمة السائدة ليكتشف الناس أن ما بني على باطل فهو باطل ولا شيء أجمل من حياة تسير على منهج صحيح ، مبادئ متينة تواجه حتى أعاصير الزمن التي تعصف بذوي القلوب الضعيفة الذين يلهثون وراء نزواتهم، والأموال التي أكلت أذهانهم وجعلتهم آلات تسعى للربح حتى على حساب الأخلاق والقيم وهذا لأنهم غافلون لا يعرفون ولا يقدرون قيمة الحياة ولا حتى لِمَ وجدت.

كما شملت قصة حب عفيفة جمعت عرفان بالسيدة جوهرة، فإذا كانت هذه الأخيرة بلغت سن الـ43 سنة من دون أن تتزوج، فإن الأستاذ او المدير عرفان أرمل، فقد زوجته التي كان محبا ووفيا لها على مدار حياته التي قضاها بمفرده، وها هي الصدفة من جديد تجمعه بجوهرة التي كان قد التقاها منذ أعوام ليلم القدر شمل الأحبة.

وقد كانت هناك قصة حب أخرى جمعت بين الطالب الجامعي وحامل الحقائب سابقا وسكرتير المدير عرفان المدعو صالح بابنة ربيع جابر صاحب الفندق ياسمين بعدما Hنقذها من عملية اختطاف كانت قد تعرضت لها.
من جهة أخرى تضمنت القصة أيضا جانبا إنسانيا آخر من شخصية عرفان أكثر أهمية يتمثل في تورط الطفل ياسر ابن القاضي الذي كان قد شطب اسم عرفان من قائمة المحلفين سابقا، حيث قام المراهق بتزوير شيك كان قد وقعه لمخلوف وسمير، وبعد اكتشاف المدير هذا لم يرد أن يدخله السجن انتقاما لأبيه وإنما سايره ونصحه في مبادرة تثبت مدى أخلاقه العالية، كما وتغاضى عن هذا الامر.

في الأخير مبادرة طيبة لتلاميذ الأستاذ عرفان الذين أقاموا له حفلا على شرفه نظير ما قدمه على مدار مساره المهني سواء أكان أستاذا أو مديرا للفندق الذي نصب على رأسه وهي تأكيد لمقولة الشاعر:

قم للمعلم وفه التبجيلا   كاد المعلم أن يكون رسولا.

       السبت 13 جويلية 2013